08 - 11 - 2025

ترنيمة عشق | (قولوا لأمي ما تبكيش يا المنفىٰ)

ترنيمة عشق | (قولوا لأمي ما تبكيش يا المنفىٰ)

قولوا لأمي ما تبكيش يا المنفي.. ولَدِك ربي ما يخليهش يا المنفىٰ.. وكي داخل في وسط بيبان يا المنفىٰ.. والسبعة فيها للجدعان يا المنفىٰ.. الجاميلة مغمر بالماء يا المنفىٰ.. والجريلو عايم فيها يا المنفىٰ".

الكلمات باللهجة الجزائرية اللافتة ومعناها: قولوا لأمي لا تبكي؛ إن الله لن يتخلىٰ عنه؛ عندما دخلتُ وجدتُ أبوابًا كثيرة؛ والسّباع -الرجال الأقوياء- هم الجدعان؛ الشوربة طعام المعتقل.. الصراصير عائمة عليه.

معروف أن الثوار الجزائريين قد تعرضوا لمجازر؛ وعمليات ترحيل؛ وأحكام إعدام؛ وغرامات؛ وعزل جماعي وفردي؛ وتم طرد العديد من القبائل من أراضيهم.

"يا المنفىٰ".. أغنية من التراث الجزائري؛ كتبها أحد الأسرىٰ المنفيين؛ بسبب احتجاجهم علىٰ الاستعمار والمجاعة التي ألمت بالجزائر إبّان احتلالها من فرنسا -1864: 1897- كتبها إلىٰ أمه؛ أي تقريبّا مذ قرن ونصف القرن، يصف معاناته وهو ورفاقه الجزائريين -حوالي 2500 أسير- والذين تم نفيهم إلىٰ جزيرة "كاليدون أو كاليدونيا الجديدة".. كما أسماها العرب؛ جنوب المحيط الهادئ بالقرب من استراليا.

كما تم نفي البعض الآخر لشمال البرازيل حيث مستعمرة "غويانا" الفرنسية.

وذلك بعد ثورات الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسي؛ خاصة "ثورة المقراني" عام 1871 في منطقة القبائل، حيث قامت فرنسا باعتقال الآلاف من المقاومين والمشاركين فيها.

كانت الجزيرة حينها مستعمرة عقابية فرنسية (أي مكانًا تُنفىٰ إليه فئات من السّجناء والمعارضين السّياسيين).

عاش المنفيون ظروفًا قاسية جدًا، وأُجبر الكثيرون منهم علىٰ العمل في المناجم أو الزراعة تحت سلطة المستعمر.

بمرور الوقت، استقر بعضهم هناك وتزوجوا من السكان المحليين، فظهر جيل جديد من أحفادهم ما زالوا يُعرفون اليوم باسم "الكاليدونيون الجزائريون" أو "القبائل المنفية".. وصار هناك في "كاليدونيا الجديدة" ما يُسمّىٰ بـ "وادي العرب" (Vallée des Arabes) تخليدًا لهم.

بعد أن أمضىٰ أسرىٰ "كاليدون" سنواتٍ طوال في معسكرات الاعتقال؛ تم الإفراج عنهم شريطة بقائهم بالجزيرة، فالتقوا بالفرنسيين المنفيين المنتمين لحركة "كومونة باريس"، وهم أيضًا سياسيون؛ محكوم عليهم بأحكام قضائية؛ وقد تم نفيهم من فرنسا للجزيرة تخلصًا منهم.

تزوجوا من النساء الفرنسية، ومرت السنون ليصل أحفاد الجزائريين اليوم حوالي 20 ألف نسمة أو يزيدون، يشكّلون نحو ربع سكان الجزيرة.

يمتلك الأحفاد أوراقًا وأفلامًا وثائقية يفتخرون بها وبكونهم عربًا من أصول جزائرية، ويحتفظون بالعلم الجزائري، ويرجون اليوم الذي يتم فيه الاعتراف بهم، ومعروف أن حركة "كومونة بباريس" تطالب بحق هؤلاء الجزائريين في العودة لبلدهم.

وبعض هؤلاء ممن زار الوطن كسائح ما إن تطأ قدمُه البلاد حتى يخر ساجدًا باكيًا مقبّلًا ترابه؛ ينتظر فرحة حصوله علىٰ الجنسيته الجزائرية.
---------------------------
بقلم: حورية عبيدة


مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | (قولوا لأمي ما تبكيش يا المنفىٰ)